كتب_أحمد زكي : جاءت نشأة القضاء العرفي تلقائية وحتمية إلى حد بعيد في المجتمعات التقليدية ومنها الجماعات البدوية والصعيدية في مصر، وذلك نظرا لعدم خضوع هذه القبائل لسلطة الدولة الفترة الأطول في تاريخها إلا خضوعا رمزيا؛ إذ ظلت هذه القبائل تعيش حياتها بالشكل التقليدي وتحتفظ بتنظيمها السياسي والقانوني، الأمر الذي استدعى البعض أن يقول إنها تشكل دولة داخل الدولة؛ لها حدودها الإقليمية وزعاماتها السياسية ومواردها الاقتصادية وتنظيمها الاجتماعي والقضائي.
وقام القضاء البدوي بوظيفة القضاء الرسمي الفترة الأطول من حياة هذه المجتمعات، كما قامت الأعراف البدوية بوظيفة القوانين في الدولة، واستمر هذا الحال في المجتمعات الصحراوية في مصر حتى امتد إليها نظام الحكم المحلي الذي لم يلغ هذا النوع من القضاء والأعراف بل اعترف بها بشكل رسمي في البداية، مما يدل على مدى تفهم مؤسسات الدولة في ذلك الوقت لطبيعة الحياة في هذه المجتمعات، واعترافها بهذا النظام القضائي،
وحرصها على استمراره لتلاؤمه مع طبيعة التنظيم الاجتماعي ونجاعته في الوقت نفسه في فرض الأمن وتحقيق التراضي والسلم الاجتماعي بين أبناء المجتمع. وهو الأمر الذي لم يستمر طويلا مع تغلغل مظاهر الحياة المدنية بصراعاتها داخل التنظيم الاجتماعي للمجتمع البدوي، مما استدعى تغيرًا كبيرًا في سلطة وسطوة هذه الأعراف البدوية على أبناء المجتمع البدوي الذي أصبح يضم الكثير من الوافدين الذين لا يعرفون ولا يقرون بهذه الأعراف كحل للنزاعات بينهم وبين أبناء المجتمعات البدوية إلا قليلا منهم وفي نزاعات معينة، وهو أمر لم يستمر طويلا أيضا.
القانون العرفي
العرف هو اعتياد الأفراد على سلوك معين في مسألة معينة، مع اعتقادهم بأن هذا السلوك ملزم لهم، وأن من يخالفه يتعرض لجزاء مادي يوقع عليه. إذن فالعرف قانون غير مكتوب، نظرًا لأنه غير مدون في وثيقة رسمية مثل التشريع، وهو قانون شعبي نشأ من سلوك الشعب نفسه وحياته، ومن اعتياد أفراده على سلوك معين، فهو في الواقع عادات ملزمة قانونًا نشأت تدريجيًا دون أن يمكن تحديد الوقت الذي نشأت فيه ولا معرفة واضعيها
فالعرف هو إجراءات جمعية وطرق وأساليب تخلقها الحياة الاجتماعية تدريجيا فتنمو مع الزمن وتزداد ثبوتا وتأصلًا، تستمد قوتها من موافقة الأفراد عليها وقبولهم العام بها، ومن ثم فهو يتمثل في العادات التي ترتفع في درجتها ارتفاعًا كبيرًا يصل إلى حد الإجبار والالتزام بها نظرا لضرورتها – من وجهة نظر الجماعة – لرفاهية المجتمع والمحافظة على كيانه، ويمكن القول إنه نوع من الطرق الشعبية أو الاستعمالات أو العادات الاتفاقية التي تتسم بصفتين أساسيتين هما الارتفاع في درجة إجبار هذه العادات، ثم الشعور بضرورتها الشديدة لمصلحة الجماعة ورفاهيتها
وبذلك يعد القانون العرفي هو الشكل الذي ارتضاه المجتمع القبلي لتحقيق الضبط الاجتماعي، وبالتالي المحافظة على بنائه التقليدي، وهذا القانون يختلف إلى درجة كبيرة عن القانون الوضعي، فالفرد قد يستطيع أن يهرب من القانون ولكنه لا يستطيع أن يهرب من العرف لأنه مراقب من أفراد جماعته أشد مراقبة، وأن أي محاولة للخروج عن معايير الجماعة ستُرفض على الفور، وتعد الرغبة في المحافظة على التوازن التقليدي بين الوحدات الاجتماعية المختلفة هي مصدر قوة القانون العرفي
القانون العرفي واستمراره في المجتمع القبلي والصعيدي التقليدي كان حتمياً لاستمرار المجتمع وتضاءل دوره عندما تضاءلت وتراجعت قوة هذه الحتمية في ظل نظام الحياة الجديد بهذا المجتمع الذي يحمل العديد من ملامح المدنية، ويعمل أبناؤه وخاصة الشباب على زيادة هذه الملامح وتغلغلها في حياتهم، ولكن لا يعني كل ما سبق أن القانون العرفي لم يعد له أي دور على الإطلاق، وإنما يعني أن هناك تراجعاً كبيراً لأحد أهم أسس الحياة في المجتمع القبلي واليدوية ايضا، فمازال البعض يلجأون للقانون العرفي، وخاصة في النزاعات على الأراضي، ونزاعات الشرف، ولكن يشيع ذلك على وجه الخصوص بين كبار السن، وفي المناطق الداخلية من المجتمعات الصحراوية والصعيدي البعيدة عن المدن الرئيسة.
القضاء العرفي
وإلى مشكلة نرى أنها على درجة عالية من سيادة الحديث عن القضاء العرفي واستمرار سطوته ونفوذه على أبناء المجتمعات التي تستخدمه بشكل أسطوري في العديد من الكتابات، وانتقال هذه الفكرة من كاتب إلى آخر دون رصد أو نقد للواقع الحالي الذي يعكس فجوة كبيرة بينه وبين هذه الكتابات، ومن المؤكد أن هذه الفجوة اتسعت مع مرور السنوات، ولكن ظلت الكثير من الكتابات تردد نفس الأقاويل التي يرددها الكثيرون حول قوة القضاء العرفي رغم عدم وجود ما يؤكد ذلك من حالات واقعية في الوقت الراهن في كثير من الأحوال،
ونجد ذلك أيضا في بعض الكتابات الميدانية التي تمت على أساس جمع بيانات مباشرة من أبناء هذه المجتمعات الذين يفضلون الحديث عن هذه الصورة الخيالية للقضاء العرفي طوال الوقت ولكن عند البحث عن حالات واقعية كثيرا ما لا نصادف هذه الصورة المثالية للقضاء العرفي، ومدى إلزامه، ومدى انصياع الأطراف المتنازعة لقرارات قضاته، في مصر سواء في سيناء أو الصحراء الغربية،
ومن خلال مشاهدات واقعية لبعض الجلسات التي لم يلتزم فيها أحد الطرفين بالحضور من أساسه، أو عدم القدرة على التعامل مع أحد أبناء المجتمع ممن كثرت حالات تعديه على حقوق الآخرين، وفشل القضاء العرفي وجماعته في الوقت ذاته في التعامل معه عكس ما يشاع عن قوة القضاء العرفي وقدرته على تحقيق العدالة الناجزة، وازدادت هذه المواقف بعد الاستقلال المادي للكثير من أبناء المجتمع عن جماعاتهم، وبالتالي عدم قدرة هذه الجماعات على التأثير عليهم، ولذا حاولنا بقدر الإمكان الاقتصار على الدراسات التي تقترب من الواقع قدر الإمكان.
إقرأ أيضاً :
 Tourism Daily News أهم أخبار السياحة و السفر
Tourism Daily News أهم أخبار السياحة و السفر
				 
			 
		 
						
					 
						
					 
						
					