الرئيسية / تجربتي / السيرة الهلالية في قنا بين مآثر الأجداد وأحلام الأحفاد إلى المسرح العالمي
السيرة الهلالية في قنا بين مآثر الأجداد وأحلام الأحفاد إلى المسرح العالمي
السيرة الهلالية في قنا بين مآثر الأجداد وأحلام الأحفاد إلى المسرح العالمي

السيرة الهلالية في قنا بين مآثر الأجداد وأحلام الأحفاد إلى المسرح العالمي

كتب – أحمد زكي : سيرة لا تموت من عمق الصعيد الجنوبي، حيث ينساب نيلُه بين الجبال والجروف، تعيش السيرة الهلالية في محافظة قنا لا كتراث مروي فقط، بل كنبضٍ ثقافيّ حيٍّ يُجدد نفسه جيلاً بعد جيل. هذه الملحمة الشعبية التي جاوزت حدود الزمان والمكان، وجدت في حناجر الرواة من أبناء قنا، كعائلة “جرامون”، صوتًا أبقاها حيّة على مرّ العقود. واليوم، يواصل حربي أحمد ترجيعية، ابن مدينة قنا، مسيرة والده وعميه الراحلَين أحمد جرامون وعلي جرامون، اللذين حملوا السيرة من مجالس الصعيد إلى خشبات مسارح العالم، في محاولة صادقة لإحياء تراث مهدد بالاندثار.

من الرواية الشفاهية إلى المسرح العالمي.

تُعدّ عائلة “جرامون” من بين أكثر العائلات التي خدمت السيرة الهلالية وأوصلتها إلى العالمية، فالرواة أحمد وعلي جرامون قدّما هذا التراث في عروض داخل مصر وخارجها، وأدهشا الجمهور الأوروبي والعربي بمخزونهم الشفاهي، وإلقائهم المرهف، الذي يختزل قرونًا من الحكي الشعبي. لم تكن السيرة بالنسبة لهم مجرد أداء، بل كانت رسالة وموهبة ورسالة صوفية، فيها من الحكمة والفروسية والشرف ما يغني عن ألف كتاب.

حربي ترجيعية، “نحن لا نغني نحن نوثّق”.

اليوم، يأتي حربي أحمد ترجيعية، ابن الراوي الراحل أحمد ترجيعية (الذي كان مؤسس لآل جرامون)، ليحمل الشعلة، ليس فقط كشاهد عيان ، بل كمجدد ومؤرشف يقول حربي لتورزم ديلي نيوز، “عمي وأبي لأل_جرامون قال لي مرة يا حربي، السيرة دي دين في رقبتنا. وأنا أخذت العهد على نفسي ألا تموت في زمن اللامعنى.”

حربي لا يكتفي بإحياء السيرة في جلسات محلية، بل يعمل على تسجيل الروايات، توثيقها صوتًا وصورة، ويشارك في مهرجانات شعبية وثقافية، وينسق مع باحثين في الفلكلور الشعبي وأساتذة جامعات، لإدخال السيرة الهلالية ضمن مناهج الثقافة غير الرسمية، والسياحة التراثية في جنوب مصر.

السياحة الثقافية في قنا، السيرة كجذب سياحي فريد.

يؤكد خبراء السياحة أن السيرة الهلالية تمثل فرصة واعدة للسياحة الثقافية في قنا، خصوصًا في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالفلكلور. يُمكن تنظيم ليالٍ هلالية داخل المناطق الأثرية أو الساحات المفتوحة في نجع حمادي، فرشوط، ودشنا، حيث يختلط الزائرون بالأهالي، ويعايشون تجربة تراثية أصيلة.

وفي هذا السياق، يشير الأستاذ الدكتور حسن فتحي، أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية بجامعة جنوب الوادي، “نحن أمام كنز غير مادي يمكن توظيفه بطريقة مستدامة، بحيث يتحول من نشاط شعبي إلى منتج ثقافي ذي جدوى اقتصادية وسياحية، تمامًا كما تفعل دول كثيرة مع ملحماتها وموروثها الشفهي.”

تحديات البقاء بين العولمة والتهميش.

ورغم الجهود المبذولة، ما زال إحياء السيرة الهلالية يواجه تحديات كبيرة؛ من ضعف التمويل، إلى غياب الاهتمام الرسمي، إلى عدم إدماج هذا الموروث ضمن برامج السياحة الحكومية أو مشروعات الهوية الثقافية. كما أن الجيل الجديد في الصعيد بدأ ينفصل عن تراثه الشفهي لصالح ثقافات رقمية أكثر سطحية وأقل ارتباطًا بجذوره.

يقول حربي بمرارة، “فيه شباب في قنا عمره ما سمع السيرة. وأنا نفسي يكون هناك دعم حقيقي، مش مجرد تكريمات شكلية.”

عودة الهلالي من الغربة.

في زمنٍ تاهت فيه الهويات، تعود السيرة الهلالية في جنوب مصر عبر أصوات وفية، وارشيف حي مثل حربي أحمد ترجيعية، لتقول إن التراث لا يموت ما دامت الأرواح مؤمنة بقيمه. إن ما يحدث في قنا ليس مجرد محاولة لإحياء الماضي، بل هو نضال ثقافي يدمج السياحة بالهوية، ويجعل من الفلكلور الشعبي رافعةً اقتصادية وثقافية يمكن أن تنهض بها قرى الجنوب كما لم تنهض من قبل.

ملحوظة تحقيـقيـة.

تم إجراء هذا التحقيق من خلال زيارات ميدانية لنجوع قنا ومقابلات مع رواة السيرة، إضافة إلى الرجوع إلى أرشيفات مسجلة من السيرة الهلالية بصوت أحمد وعلي جرامون، ومقاطع نادرة متوفرة عبر بعض المبادرات البحثية المحلية.

إقرأ أيضاً :

افتتاح فعاليات ورشة عمل رواد الأعمال في الأقصر

شاهد أيضاً

قطار حلم الصحراء رفاهية بين الرمال تنقل السعودية للدول الكبرى سياحياً

قطار حلم الصحراء رفاهية بين الرمال تنقل السعودية للدول الكبرى سياحياً

كتب – أحمد رزق : تستعد المملكة العربية السعودية لتدشين معلم سياحي فريد من نوعه، …