الرئيسية / قضايا وآراء / صناعات جريد وزعف النخيل في مصر .. كنوز تراثية تبحث عن أمل في البقاء
صناعات جريد وزعف النخيل في مصر .. كنوز تراثية تبحث عن أمل في البقاء
صناعات جريد وزعف النخيل في مصر .. كنوز تراثية تبحث عن أمل في البقاء

صناعات جريد وزعف النخيل في مصر .. كنوز تراثية تبحث عن أمل في البقاء

كتب – أحمد زكي : في مصر، حيث يلامس النخيل شمس الجنوب وذاكرة الريف، لا تُعدّ نخلة واحدة مجرد شجرة فحسب، بل هي مصنع صغير من الموارد الطبيعية. من قلب واحات الصحراء إلى قُرى دلتا النيل، كان جريد وزعف النخيل عمادًا لصناعات تقليدية استمرت لقرون. اليوم، ومع تسارع الحداثة، تتعرض هذه الحرف لخطر الاندثار، رغم ما تحمله من إمكانات سياحية واقتصادية وتراثية ضخمة.

جذور الصناعة، حِرَف الأجداد تنسج ذاكرة الوطن.

ترتبط الصناعات اليدوية من جريد وزعف النخيل بتاريخ طويل في مصر، لا سيما في مناطق مثل الواحات البحرية وسيوة والفيوم وأسيوط وسوهاج. فالجريد (سعف النخيل اليابس) والزَّعف (الورق الأخضر الرفيع) يُستخدمان في صناعة سلال الخبز، القفف، الأثاث البسيط، المفارش، وحتى المظلات والأسوار التقليدية.

يقول الحاج رمضان عبد الستار، أحد الحرفيين القدامى من محافظة الوادي الجديد، “نحن لا نرمي شيئًا من النخلة، الجريد يصير قففًا، والزعف ننسجه مثل القماش، هذه الحرفة عشنا منها سنوات طويلة.”

في أزمان سابقة، كانت هذه الصناعات تمثل بديلاً رخيصًا ومستدامًا للمنتجات المستوردة، وتعكس ذوقًا محليًا رفيعًا يتناغم مع البيئة.

البعد السياحي إرث يمكن تسويقه للسائح الواعي

في ظل توجه العالم نحو السياحة المستدامة والمنتجات الصديقة للبيئة، تُعد هذه الحرف فرصة ذهبية. بعض الفنادق البيئية في سيوة والواحات تعتمد على أثاث مصنوع بالكامل من النخيل، ليس فقط لدواعي جمالية، بل لربط الزائر بالبيئة المحلية.

توضح المهندسة يمنى عبد اللطيف، مستشارة في السياحة البيئية، “المنتج المصنوع من جريد النخيل يُقدّم قصة وهوية، والسائح يبحث عن التجربة الأصيلة. لدينا فرصة لتصدير التراث على هيئة منتجات.”

كما أن هناك محاولات لدمج هذه الصناعات ضمن مسارات سياحية، مثل “مسارات الحرف اليدوية”، التي يزورها السياح لتجربة الصناعة والمشاركة في الورش.

حين تنهار الحرفة في غياب الدعم

لكن الواقع ليس ورديًا. كثير من الحرفيين يعانون من عزوف الأجيال الجديدة عن تعلم هذه الحرف، وغياب الدعم المؤسسي المستمر.

في لقاء مع محمد سعيد، حرفي من سوهاج قال، “كنا أكثر من 50 حرفيًا في السوق، الآن لم يبقَ سوى خمسة. الشباب لا يريدون الحرفة، والدولة لا تشتري منتجاتنا كما كانت تفعل.”

بحسب دراسة صادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات (2023)، فإن أكثر من 70% من الحرفيين في الصناعات المرتبطة بجريد النخيل تجاوزوا عمر الخمسين، ما يجعل مستقبل هذه الحرف مهددًا.

محاولات إنقاذ: مبادرات فردية ومجتمعية تصنع الفرق

في مواجهة هذا التراجع، ظهرت مبادرات محلية مثل “نخلتنا” في الوادي الجديد، و”صنعة بلدي” في سيوة، تهدف لتعليم الأطفال الحرفة وربطها بمنتجات عصرية كالأكسسوارات والحقائب. كما تم تنظيم عدة معارض حرفية بمشاركة دولية خلال السنوات الأخيرة.

تقول د. هالة كمال، الباحثة في التراث الشعبي:
“ما نحتاجه ليس فقط تدريب الحرفيين، بل دمج الصناعة في التعليم الفني، وربطها بالسوق عبر التسويق الإلكتروني والمنصات السياحية.”

بين التراث والاقتصاد الإبداعي.

تندرج هذه الصناعات ضمن ما يسمى بالاقتصاد الإبداعي، حيث تلتقي الحرف التقليدية بالفرص السوقية المعاصرة. كما أنها تمثل شكلًا من أشكال “التراث الحي” – التراث الذي لا يُعرض في المتاحف بل يُمارس على الأرض.

كما يمكن دمجها في خطط “السياحة التجريبية” و”السياحة البيئية”، ما يحقق عائدًا اقتصاديًا مستدامًا، ويوفر فرص عمل، خاصة للنساء والشباب في المناطق النائية.

هل نسمح بصمت النخيل أن يسود؟

في زمن تتآكل فيه الهويات تحت عجلة العولمة، تمثل الصناعات اليدوية من جريد وزعف النخيل درعًا ثقافيًا واقتصاديًا. ولكن، دون دعم ممنهج، وتوثيق حقيقي، وتسويق ذكي، قد تصبح هذه الحرف مجرد صور في كتب التراث.

السؤال الذي نتركه مفتوحًا، هل نُبقي هذه الصناعة حيّة، أم نتركها تموت صامتة كما تموت النخلة حين تُقتلع من أرضها؟

إقرأ أيضاً :

شاهد أيضاً

شريف فتحي وزير السياحة والآثار

6 أشهر مهلة إضافية لمبادرة التسهيلات التمويلية لزيادة الطاقة الفندقية

كتب – أحمد رزق : أكد شريف فتحي وزير السياحة والآثار، وأحمد كجوك وزير المالية، …