كتب – أحمد زكي : مع بداية فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، يواجه صعيد مصر، وخاصة مدن مثل الأقصر وأسوان، تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والسياح، وفي الوقت نفسه، التحديق في مأزق السياحة الثقافية التي تعتمد بشكل كبير على الزيارات النهارية للمواقع الأثرية المكشوفة. هذا الوضع يستدعي استنفارًا صحيًا وأمنيًا واسع النطاق لمواجهة التحديات.
يُعد ارتفاع درجات الحرارة عاملًا رئيسيًا يؤثر على جذب السياح إلى مدن الصعيد خلال أشهر الصيف. فمع تجاوز درجات الحرارة في الأقصر وأسوان حاجز الـ 45 درجة مئوية، وأحيانًا الـ 50 درجة، يصبح التجول في المواقع الأثرية المكشوفة مثل المعابد والمقابر أمرًا مرهقًا، إن لم يكن خطيرًا، خاصة لكبار السن وذوي الحالات الصحية الخاصة.
ففي قلب صعيد مصر، وتحديدًا في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا، تتجاوز درجات الحرارة في بعض الأيام حاجز الـ45 درجة مئوية، لترسم ملامح صيف لاهب يكشف مدى قدرة المدينة على الصمود. فبين أروقة المستشفيات ونقاط الإسعاف، مرورًا بساحات المدارس حيث تُجرى امتحانات صفوف النقل، تتحرك الجهات الحكومية والصحية والأمنية لمواجهة موجة حرّ تضرب المدينة في توقيت دقيق، وسط التزام اجتماعي ملحوظ بالسير الطبيعي للحياة.
نجع حمادي، المدينة ذات التاريخ الزراعي والصناعي والديني، باتت نموذجًا لصعيد يرفض التوقف رغم الظروف المناخية القاسية، ويُظهر كيف أن التفاعل المجتمعي مع تقلبات الطقس أصبح ضرورة يومية، وليست مجرد استثناء موسمي.
ارتفاع درجات الحرارة: مشهد يتكرر بحِدة متزايدة
بحسب بيانات الهيئة العامة للأرصاد الجوية في مصر، سجلت مدينة نجع حمادي خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو معدلات حرارة تراوحت بين 43 و46 درجة مئوية، مع توقعات باستمرار الموجة عدة أيام أخرى. مقارنة بالأعوام الماضية، تشير الأرقام إلى زيادة تدريجية في ذروة درجات الحرارة خلال نفس الفترة، ما يعكس تأثيرات تغير المناخ بشكل مباشر على البيئة الصعيدية الجافة.
تُعد هذه الزيادة مصدر قلق للمزارعين والسكان المحليين والسائحين على حد سواء، حيث تؤثر على حركة الأسواق، وصحة المواطنين، واستدامة الأنشطة السياحية.
الصحة في مواجهة الحرارة خطط استباقيةواستنفار ميداني.
في لقاء خاص مع مسؤول بمديرية الصحة بقنا، أكد أن الوزارة أعدت خطة طارئة لمواجهة موجة الحر تتضمن، رفع درجة الاستعداد في جميع مستشفيات قنا، وخصوصًا مستشفى نجع حمادي العام.
توزيع سيارات إسعاف متنقلة مزودة بوسائل تبريد وطاقم طبي متخصص في التعامل مع حالات ضربات الشمس والإجهاد الحراري.
توجيه فرق توعية للمناطق الريفية والنجوع للتعريف بمخاطر التعرض المباشر للشمس، وأهمية شرب السوائل بكثرة.
إنشاء نقاط طوارئ متنقلة بالقرب من المدارس ومناطق التجمعات، تحسّبًا لأي طارئ.
كما تم التأكيد على وجود وحدات تهوية وتبريد في غرف الطوارئ، وتوفير مخزون استراتيجي من المحاليل الوريدية والعلاجات المرتبطة بالإجهاد الحراري.
دور الأجهزة الأمنية والتنفيذية تنسيق وتدخل فوري.
من جهته، صرّح مصدر أمني في مديرية أمن قنا بأن التنسيق جارٍ على مدار الساعة مع مديرية الصحة والمحافظة، ويشمل، تأمين محيط المدارس التي تُجرى بها الامتحانات، وتسهيل حركة المرور لتقليل التكدس تحت أشعة الشمس.
إغلاق مؤقت لبعض الأسواق المكشوفة خلال ساعات الذروة لحماية المواطنين من التعرض الطويل للشمس.
نشر سيارات الدفاع المدني على مقربة من المنشآت الحيوية تحسبًا لأي طارئ.
توفير خيام مظللة ومبردات مياه في محطات القطارات ومواقف السيارات العامة.
وتتم المتابعة من خلال غرف عمليات مشتركة تعمل على مدار اليوم لرصد أي طارئ صحي أو خدمي والتعامل معه فورًا.
التعليم لا يتوقف امتحانات في حرّ الصيف وتحديات التكيف.
على الرغم من درجات الحرارة المرتفعة، أكدت مديرية التربية والتعليم بقنا انتظام سير الامتحانات في صفوف النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية في جميع مدارس نجع حمادي وفي جولة ميدانية شملت عددًا من المدارس، مثل مدرسة التحرير الابتدائية ومدرسة الشهيد عبد المنعم رياض الإعدادية، تم رصد عدد من الإجراءات، توزيع زجاجات المياه على الطلاب داخل اللجان.
تشغيل المراوح الكهربائية في الفصول.
تنبيه المراقبين إلى التعامل الفوري مع أي حالة إعياء حراري.
مدير إحدى المدارس أكد أن نسب الحضور جيدة ولم تتأثر بشكل واضح، مما يعكس وعي الأسر بأهمية انتظام التعليم حتى في الظروف المناخية الصعبة.
التأثير السياحي والمجتمعي: تراجع نسبي وتكيّف محلي.
تُعرف نجع حمادي بمواقعها الأثرية القريبة، مثل معابد دندرة، بالإضافة إلى رحلات نيلية موسمية تجذب الزوار من داخل وخارج المحافظة. ومع ذلك، رصد التقرير تراجعًا مؤقتًا في الحركة السياحية، خاصة في ساعات الظهيرة، نتيجة الحرارة المرتفعة.
المحلات الحرفية والأسواق التراثية مثل سوق الخميس شهدت انخفاضًا في عدد الزوار، ما دفع الباعة المحليين إلى تعديل أوقات العمل وفتح المحال في الفترة المسائية بعد غروب الشمس، في محاولة للتكيّف مع الظروف.
قراءة مناخية لواقع يفرض نفسه.
يرى الدكتور أحمد نصر الدين، أستاذ الجغرافيا المناخية بجامعة جنوب الوادي، أن موجات الحر في نجع حمادي لم تعد استثناءً بل جزء من نمط مناخي آخذ في التغير. ويوضح أن:
ارتفاع درجات الحرارة مرتبط بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
الصعيد المصري من أكثر المناطق تأثرًا نظرًا لطبيعته الجغرافية الصحراوية.
المطلوب هو تعزيز الاستعدادات المؤسسية والمجتمعية طويلة الأجل، لا الاكتفاء بالإجراءات المؤقتة.
كما دعا إلى ضرورة دمج خطط المناخ في السياسات السياحية والعمرانية والتعليمية، بما يضمن استدامة الحياة في مثل هذه البيئات الحارة.
مدينة تُقاوم وتُخطط.
بين الطقس الحار والانضباط المؤسسي، تعكس نجع حمادي نموذجًا لصعيد لا يتوقف عند أول التحديات. بل يسير في خطى ثابتة نحو التكيف مع المناخ، عبر تضافر جهود القطاع الصحي والأمني والتعليمي، مع وعي شعبي يزداد مع كل موجة حر جديدة.
إن ارتفاع درجات الحرارة في هذه المدينة الجنوبية لم يعد مجرد قضية طارئة، بل فرصة حقيقية لإعادة التفكير في كيفية استدامة الخدمات السياحية والصحية والتعليمية في ظل تغيرات مناخية متسارعة، تعيد تشكيل الجغرافيا المصرية من جديد.
إقرأ أيضاً :
Tourism Daily News أهم أخبار السياحة و السفر