الرئيسية / تجربتي / خدوها هدية وامنعوا الأذية .. معتقد صعيدي في الجنائز والمأتم من فجر التاريخ
خدوها هدية وامنعوا الأذية .. معتقد صعيدي في الجنائز والمأتم من فجر التاريخ
خدوها هدية وامنعوا الأذية .. معتقد صعيدي في الجنائز والمأتم من فجر التاريخ

خدوها هدية وامنعوا الأذية .. معتقد صعيدي في الجنائز والمأتم من فجر التاريخ

كتب – أحمد زكي : في تاريخ الصعيد وجود فروق جلية، في بعض المأثورات سواء الشفاهية أو المادية بين الطبقات التي يتألف منها المجتمع الشعبي الصعيدى، وهى فروق جزئية تتبدى في حرص الطبقات الأعلى على القيام ببعض الممارسات الرمزية، لتأكيد تفوقها الطبقي، كما هو الحال في حرصها على تقديم ذبيحة الونيسة وغيرها من الذبائح والأطعمة التكفيرية وإقامة الولائم الاجتماعية والموائد الأسرية الخ، وكذلك في اختصارها فترة الحداد ، واختصاصها ببعض الإبداعات القولية المشيدة بما تملكه وتزهو به على غيرها من الطبقات. على أنه يصعب رصد اختلافات جوهرية في معظم معتقدات الموت بين هذه الطبقات المختلفة

ويوصف كل ما يتم توزيعه إلى جوار قبره أثناء الزيارة بأنه من وراء هذه الأطعمة وغيرها، رحمة”، وذلك سواء كانت أطعمة خاصة بهذه المناسبة أو فاكهة أو أغصان أشجار الفاكهة التي عادة ما توضع فوق مباشرة إلى الهدف المرجو . القبور مع كل زيارة الهم وهو وصف له دلالته الرمزية، في وقت ف الرحمة تعنى المغفرة وهي ما ترمي إليه الجماعة الشعبية للميت في حياته الجديدة، بحيث يندمج بهذه الحياة الجديدة، وهو مبرأ من خطاياه في حياته الأولى

أما بالنسبة للأطعمة والفاكهة التي توزع عند قبره أثناء الزيارات المختلفة، فهي عادة ما تكون من نوعيات متعارف عليها من جانب الجماعة، وتتجاوز دلالتها فكرة إشباع الميت في العالم الآخر بما كان يحبه في حياته الأولي كمـا فــي الموائد الأسرية، إلى فكرة التصدق أو الإحسان إلى الفقراء لكي ينتفع المتوفى بحسنات هذا التصدق، أو بمعنى آخر رحمه للمتوفي .

المخبوزات الشعبية

في عالمه الآخر وثمة أربعة أنواع من المخبوزات يطلق عليها تحديدا وصف الرحمة هي : “الشريك” و”المنون” و”الأوز”، والصوابع وتوزع هذه المخبوزات على روح الميت أثناء

وتكل هذه العادة ومسماها على ما تعتقده الجماعة الشعبية من أن الميت كالمسافر ؛ يحتاج إلى “زاد” لكى يستطيع اجتياز سفره وزاد الميت يكون بالتصدق على روحه وإطعام الفقراء، مما يزيد من حسناته ويخفف من سيئاته، وبالتالي يسهل انتقاله إلى عالمه الجديد، فالتصدق بهذه المخبوزات يعد بمثابة طعامه أو زوادته

التي سيحتاج نتائجها أثناء سفره إلى الحياة الأخرى. وكانت محتويات الزواده تختلف من قرية الأخرى قبل أن تبطل هذه العادة، على أنها كانت لا تسمى بهذا الاسم إلا إذا كانت مصاحبة للنعش خلال مسيرته، ففي بداية القرن الماضي ” اشتهرت ناحية “بدخلو” بالواحات الداخلة، بكسر زير من فخار، مملوء ببلح مكبوس بجوار القبر بعد دفن الميت، ويوزع ما فيه على من حضروا الجنازة وقد بطلت عادة الزوادة وغيرها من العادات المصاحبة لعملية التشييع نتيجة لتصاعد القوى التحريمية لدى المجتمع منذمنتصف سبعينيات القرن الماضي، وتم الاكتفاء بأطعمة الرحمة التي توزع أثناء الزيارات فحسب.هذا إلى جانب الحرص على توزيع الأطعمة كاملة من دون استرداد جزء منها إلى بيت الميت، وربما كان هذا الأمر راجعا إلى تطير الجماعة من استعادة بعض الأطعمة مرة ثانية بعد أن وهبت لروحه، وهذا ما يضطر القائم بتوزيعها إلى أن يترك البقايا للكلاب أو للقطط بالجبانة، إذ يعتقد أن في التهام الحيوانات لهذه الأطعمة لا يقلل من الهدف المرجو من وراء توزيعها، فهو أيضا في التصور الشعبي نوع التصدق، كما أنه يعتقد بأن بعض الحيوانات الضالة تتلبسها أرواح كائنات فوق طبيعية ، ولهذا حين تقدم امرأة إليها بعض أطعمة الاسترضاء ، في صبيحة الليلة التي أعدت فيها صينية الرضوة .

و “الأوز هو المخبوز الأقرب إلى شكل المركب، وإذا سلمنا بصحة هذا الافتراض، فلن تخفى دلالة المركب في المعتقد المصري القديم، فهي الناقلة لجثمان الميت إلى الغرب، وهي الموت في الإبداع الشفاهي للجماعة .
على أن هنالك افتراضاً أكثر التصاقا بالخبرة المباشرة للأفراد، وهو أن تكون هذه المفردة تحريفا لكلمة الموز، فعادة ما يتم خبز هذه المخبوزات التكفيرية على أوراق الموز، إذ يتم رصها داخل الطابونة فوق أوراق الموز المفرودة ، مما يجعل بطونها ملساء، وهو إجراء تقوم به النساء إمعانا في احتفائهن بالمناسبة التي تخبز من أجلها هذه المخبوزات، ولهذا يقمن في الاحتفالات السعيدة – كالزواج أو غيره من المناسبات – مما يصاحبها ولائم اجتماعية، بخبز العيش العادي والفطائر وغيرها فوق أوراق الموز هذه.

المخبوزات

و “الزاد” هو “طعام يتخذ للسفر و المزود بالكسر ما يجعل فيه الزاد والـ “وزوادة” هي الوعاء المصنوع من الخوص، الذي يحمل هذا الزاد . وعادة “الزواده” تعني تلك المخبوزات” من عيش و فطير وكحك أو فاكهة وغيرها مما يحمله واحد من أهل المتوفى – أثناء تشييع الجثمان – في “قادس”، بحيث يسير مع المشيعين إلى الجبانة، وقبل انتهاء مراسم الدفن، يعود بها ليوزعها على الفقراء والأطفال الصغار المشاركين في عملية التشييع.
أما “القادس” الذي توضع داخله الزوادة فهو وعاء مصنوع من الخوص، يكاد يماثل الضريح في شكله، فغطاؤه مقبي، وله علاقة من حبل الليف، والقادس في اللغة هو البيت الحرام … وقيل للسطل القدس لأنه يتقدس منه أي يتطهر (۱) ويدلنا المعنى اللغوي لهذا الوعاء على ما يتمتع به الشكل المقبى عموما من قداسة، فهو شكل تطهيري، تمنحه الجماعة لبعض أعضائها المميزين كالأولياء مثلا ، وتجعله فوق قبورهم. وربما كان استخدام القادس في مثل هذه العادات التكفيرية، يعكس مدى حرص الجماعة الشعبية على تطهر الميت في رحلته إلى العالم الآخر.

الممارسات القديمة، فيما بقيت هذه الأسماء مستمرة كشواهد على ذلك المعتقد القديم – بتشديد النون – فلا يمنحنا المعنى

أما مخبوزة المنون هو المخبوزة الأكثر تميزا عن بقية أشكال المخبوزات التكفيرية، فهو يزيد عن الشكل المستدير الذي يعد قاسما مشتركا لمعظم الفطائر والمخبوزات المعتادة ، بوجود رؤوس ناتئة، هذه الرؤوس التي يمكن تأويلها – بكثير من الحذر – كدلالة على فكرة توالد الحياة من

الزيارات، وتتشابه هذه الأطعمة في وجود خطوط طولية وعرضية على وجوهها، فيما تختلف أشكالها وأحجامها؛ فالشوريك أقرب إلى الاستدارة بينما الأوز فبيضاوي الشكل و الصوابع مستطيلة ، والمنون مستدير وتبرز منه رؤوس نصف دائرية . وباستثناء الصوابع ، التي هي تحريف لكلمة الأصابع – بعد إبدال الهمزة واوا – فإن الأشكال هذه المخبوزات سمات مميزة عن بقية المخبوزات المعتادة ، ممالا يمكن معه إغفال الدلالة الرمزية لسماتها الشكلية. ويدلنا المعنى اللغوي لكلمة الشريك، على الأصل الاعتقادي وراء هذه العادة ، فالشريك هو صنم يرجع إلى عصور ما قبل الإسلام، وكان يتقرب إليه بالقرابين، بوصفه الوسيط المادي بين الإنسان والإله ، فقد ورد في لسان العرب في حديث تلبية الجاهلية: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك يعنون بالشريك الصنم، يريدون أن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقربون بها إليه كلها ملك الله عز وجل،فذلك معنى قوله تملكه وما ملك

الأطعمة التكفيرية

وقد ظل اسم المعتقد القديم ليدل على بقاياه المترسبة في الثقافة الشعبية، ولهذا يرجح أن تكون بقية أسماء الأطعمة التكفيرية – خاصة “الأوز” و”المنون” – هي أسماء الأصنام قديمة، ترجع إلى ما قبل الإسلام أيضا، إذ كان يتقرب إلي الله بالقرابين، ووضعها إلى جوار تلك الأصنام، وقد اختفت يتمثل في محيط العائلة، وأن القرابين العامة التي كانت العشيرة كلها تجتمع فيها لم تكن إلا امتداد لمثل هذه العبادة الأسرية .

و الوهيبه ” هي مائدة أسرية، تتشابه إلى حد كبير مع المائدة في توقيتات متفاوتة، ولا يقيمها أهل الميت القربانية القديمة ، ترتبط بمناسبات اجتماعية محددة، ويحرصون أن تشتمل على أصناف الأطعمة التي كان يحبها الميت، وذلك لاعتقادهم بأنه يشارك بها، وأنه لابد سيطعم في حياته الأخرى من نفس هذه الأطعمة التي وهبت له. وتعتبر الجماعة الشعبية الوهيبه مجرد عادة اجتماعية تستهدف التأكيد على اتحاد العائلة الواحدة وتماسكها فحسب، بحيث يلحق ثوابها بالميت، فيُرحم من العذاب في حياته الثانية. فهي نوع من أنواع التصدق على روح المتوفى هذه الصدقة التي ترى الجماعة أنها تجوز على الفقراء كما تجوز أيضا على أهل المتوفى أنفسهم، ولهذا تقتصر هذه المائدة الأسرية على أهل الميت فحسب، ولا يشترط أن يمنح الفقراء بعضا منها، أو أن تصحبها تلاوات قرآنية. فالمعنى اللغوي للوهيبه ينطوي على دلالة رمزية، إذ أن الهبة هي : “العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، ومن هنا فهي تعنى أن أهل الميت، لا يسعون من ورائها لغرض سوى أن يهبوها للمتوفى كصدقة على روحه ويتسق هذا الأمر مع تعاليم الثقافة الدينية بأن التصدق على روح الميت يسهم في زيادة حسناته وهو بالعالم الآخر

إقرأ أيضاً :

توقيع اتفاقية تآخي بين أسوان سفانيتي بجورجيا لزيادة التدفقات السياحية

شاهد أيضاً

ويلز تتربع على عرش “سياحة الميتافيرس” في أوروبا

كتبت – سها ممدوح: باتت ويلز أول مقاطعة بريطانية تنضم إلى الميتافيرس، لمنح الزوار من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *